محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي لزماننا لكارين أرمسترونج

http://s.alriyadh.com/2011/06/22/img/225817517492.jpgفي الثقافة الغربية تاريخ طويل من الرعب من الإسلام (الإسلاموفوبيا) يرجع لأيام الصليبيين. فقد انتشر في الأوساط المسيحية لأوربا القرن الثاني عشر، بفعل الرهبان أن محمدا  كان دجالا فرض دينه على الناس الرافضين بقوة السلاح، وكانوا يسمونه بأبشع الأسماء وينعتونه بأقبح الصفات وأحطها... ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 والهجوم متواصل عبر أطراف متعددة اعتبرت النبي محمدا  إرهابيا ومدمن حرب، حتى أصبحت هذه الصورة المشوهة صورا نمطية مقبولة لدى الغرب.
أمام هذه الحالة، ترى المستشرقة البريطانية الباحثة المتخصصة في دراسة الأديان كارين أرمسترونغ أن محمدا ()لم يكن قط رجل عنف، بل إنه نموذج لهداية العالم في زماننا. وتقترح للوصول إلى هذه النتيجة "أن نقارب حياته بطريقة معتدلة حتى نستطيع تقدير إنجازاته المعتبرة"[1]، تلك الحياة التي كانت حملة لا تكل ضد الطمع والظلم والتكبر. كان اهتمامه الأكبر (r) تغيير قلوب الناس وعقولهم، ولم يحاول فرض معتقد ديني. 
هذه الفكرة تنتصر لها كارين أرمسترونغ من خلال معالجة قضايا: الدعوة المكية، والجاهلية، والهجرة، والجهاد، والسلام.وتنبع أهمية الحديث عن هذا الكتاب من أهمية كتابات كارين أرمسترونج التي تعرف رواجا لافتا بالغرب (وبخاصة بريطانيا وأمريكا)، كما أن موقفها من النبي  ومن دين الإسلام يكاد يكون متميزا في زمن عُرف بالنيل من شخصية الرسول الكريم ومن شريعة الإسلام. والكاتبة أرمسترونج أخذت على عاتقها تصحيح صورة الإسلام وتقديم الصورة الحقيقية لنبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم للغربيين. وما أحوجنا، نحن المسلمين، لمعرفة مثل هذه النماذج والتعرف عليها بهدف التواصل والتعاون، والغاية بعد ذلك طبعا هي عرض معاني الرحمة النبوية للعالمين. 
وجدير بالذكر أن الباحثة المتخصصة في مقارنة الأديان كتبت كتابين عن نبينا محمد r:
- الأول: Muhammad a Biography of the Prophetسنة1991، وكان قد صدر للمرة الأولى ببريطانيا 1991 بعنوان:Muhammad a Western Attempt to Understand Islam. ترجمه إلى العربية كل من فاطمة ونصر ومحمد عناني بعنوان: "محمد سيرة النبي ()"[2]، ومحمد الجورا بعنوان: "الإسلام في مرآة الغرب.. محاولة جديدة في فهم الإسلام"[3]
وقصة تأليف هذا الكتاب ترجع إلى قضية سلمان رشدي وكتابه "آيات شيطانية" الذي اعتبره المسلمون إساءة إلى رسول الله  وآل بيته. وما أثار كارين أرمسترونج هو تلك الفتوي التي أصدرها الإمام الخميني والتي قضت بإباحة دم سلمان رشدي وناشر كتابه، كما لم تعجبها الطريقة التي تعامل بها الناس مع قضية سلمان رشدي في إنجلترا.
- والثاني: Muhammad Prophet for Our Time سنة 2006، وقد ترجمته إلى العربية فاتن الزلباني بعنوان: "محمد () نبي لزماننا"[4].
وتوضح كارين بأن هذا الكتاب الذي جاء بعد مرور خمسة عشرة سنة على الكتاب الأول جديد ومختلف كلية؛ ذلك أن كتابها الأول لم يعد يفي بالغرض بعد هجمات 11 سبتمبر، حيث دعت الحاجة، في نظرها، إلى التركيز على جوانب أخرى من حياة محمد () لأن هذه الأحداث زادت من العداء للإسلام ونبيه ().
وأشير بأن الباحثة كارين أرمسترونج (ولدت عام 1945) واحدة من أشهر الباحثين اليوم في الأديان ومقارنتها. وقد كتبت في ذلك مجموعة كبيرة من الكتب تدرس فيها العقائد والأديان الرئيسة (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، وتبحث عما هو مشترك بينها، كما تبحث فيها عما يؤثر منها في تاريخ العالم ويوجه أحداثه.
وتروي كارين أرمسترونج قصة بدء الوحي باختصار شديد، ثم تعلق قائلة: "لقد شاهد هذه الرؤيا vision في شهر رمضان 610 ميلادية تقريبا. وقد سماها محمد ليلة القدر..."[5] 
وهنا أتوقف لأقول:
أ- لا يبدو في نية الباحثة تشويه الحقائق أو تزييف الوقائع، وإنما هذا خلط وقع لها بسبب خلل منهجي.
ب- إن القول بكون واقعة بدء الوحي رؤيا نجده عند معظم المشرقين وكثير من أبناء المسلمين، وسببه الاعتماد على رواية لابن إسحاق جاء فيها: "قال رسول الله : "فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ وَأَنَا نَائِمٌ بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ (...) ثُمّ انْتَهَى فَانْصَرَفَ عَنّي وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا..."[6]
ما يفهم من هذه الرواية أن واقعة بدء الوحي كانت رؤيا رآها النبي في المنام بغار حراء، وهذا ما دفع بمحمد عابد الجابري مثلا إلى إيراد هذه الرواية ويعلق عليها مفسرا: "وَأَنَا نَائِمٌ (في رؤيا المنام)"[7].
والصحيح هو ما استقر في أذهان المسلمين أن جبريل  أتى رسول الله r يقظة وليس في المنام كما تحدثنا عنه الروايات المعتبرة. مثلا نجد عند الإمام البخاري  عن عائشة : "... حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي ‏غَارِحِرَاء ‏‏فَجَاءَهُ ‏‏الْمَلَكُ ‏فَقَال:َ ‏اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَابِقَارِئٍ، قَال:َ فَأَخَذَنِي ‏فَغَطَّنِي ‏حَتَّى بَلَغَ مِنِّيالْجَهْدَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي‏ ‏فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَابِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي ‏‏فَغَطَّنِي ‏الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّيالْجَهْدَ، ثُمَّ ‏أَرْسَلَنِي ‏‏فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَابِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي ‏فَغَطَّنِي ‏الثَّالِثَةَ ثُمَّ ‏أَرْسَلَنِي‏ ‏فَقَال:‏﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [8] فليس هنا أي ذكر للنوم أو الرؤيا أو ما يدل على ذلك. وهنا يسأل النبيه: "هل كان رسول الله  يذهب إلى غار حراء من أجل التعبد أم النوم ؟ ولو كان ذلك مناما، لماذا لم يحدث له في بيته ؟"
جـ- ليس النبي محمد  هو الذي سمى ليلة القدر، بل الله هو الذي سماها، هذا إن سلمنا بأن ليلة القدر هي هذه الليلة التي بدأ فيها نزول القرآن الكريم. قال الله تعالى: ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) (القدر: 1).
وتعود الباحثة من حين لآخر إلى القرآن الكريم، تؤيد به حجتها وتستند إليه في كثير من القضايا التي تريد الانتصار لها. وأشير إلى أن الباحثة تعتقد أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، على عكس معظم المستشرقين، فتقول مثلا: "القرآن هو كلمة الله المقدسة"[9]. لكن رغم هذا، فإن الباحثة تخلط أحيانا بين القرآن الكريم، وهو كلام الله تعالى، وبين كلام النبي  فتنسب آيات من القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسل ! وهذا نتيجة إسقاط ما هو سائد في الكتب السماوية الأخرى المحرفة على القرآن الكريم. إن الإنجيل مثلا تتعدد نسخه بتعدده كتابه ومفسريه فينسب إليهم، وهذا ما لا ينطبق على القرآن الكريم.
ويعتبر مفهوم النبوة من المفاهيم المستعصية على الفهم عند كارين أرمسترونج، وعند الغربيين عموما. وقد سبقت الإشارة في البحث إلى هذه النقطة عند اعتبارها النبي  شخصا له "موهبة استثنائية"، واعتقاده  "بوجوب إصلاح اجتماعي"، ونزوله  "لرأي الشباب الكارثي الذين تحمسوا للخروج لملاقاة قريش" في غزوة أحد. كما أشارت إلى النبي  كان "يعرق بشدة" عندما يفكر لمواجهته قضايا صعبة وحرجة. نعم، كان النبي  يعرق، ولكن عند نزول الوحي عليه، وليس عند التفكير.
إن مثل هذه الاعتبارات تجعل من النبي رجلا معزولا عن السماء، يعتمد في حركته على جهده العقلي والفكري البشري. وهذا الفهم يسلب النبوة والنبي كل معنى وروح. 
إن النبوة اصطفاء إلهي، وعناية ربانية. والنبي محمد، أو غيره، صلوات الله على الجميع، لا دخل له فيما يُبلغ، ولا حق له في التصرف أو الزيادة أو النقصان، إلا ما كان من أمور دنيوية محدودة جدا لا تأثير لها في حياة الناس. وإلا فما وظيفة الوحي ؟ بل ما وظيفة النبوة أصلا ؟
ويمكن إجمال وظيفة مقام النبوة في:
- تبليغ الناس تعاليم ربهم كما هي.
- بيان ما احتاج من ذلك إلى بيان، وعلى رأس ذلك بيان عواقب الأفعال، حسنها وسيئها.
- الفصل بين الناس فيما يحدث بينهم من نزاعات وخصومات، مذكرا بمصير المعتدي.
- إجابة الناس عن أسئلتهم التي تظهر لهم من خلال ممارستهم للعبادات أو معاملاتهم مع غيرهم، مسلمين أو كفار.
- ومع هذا وذاك، كانت الوظيفة الأساسية لمقام النبوة الشريف دوام تذكير الناس بمصيرهم، وكيف أن آخرتهم هي حصاد أعمالهم الدنيوية ليس فقط العبادية، بل كل تصرف يتصرفه المؤمن إنما هو مما يتبنى عليه آخرته.
وكل هذا بتسديد الوحي من عند الله  وتصويبه. والشواهد في القرآن على هذا كثيرة... بل من أين للنبي القيام بهذه الوظائف إن لم يكن مدعما وموجها من قبل الوحي ؟
[1] - Karen Armstrong, Muhammad Prophet for Our Time (HarperPerennialLondon 2007),18.
[2]- صدرت هذه الترجمة عن دار سطور الجديدة سنة 1998.
[3]- صدرت هذه الترجمة عن دار الحصاد، دمشق سنة 2002.
[4]- صدرت هذه الترجمة عن دار الشروق الدولية سنة 2008.
[5] - Karen Armstrong, Muhammad Prophet for Our Time, 22.
[6]- محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، السيرة النبوية، تحقيق أحمد فريد المدني المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1424-2004، 1/168.
[7]- محمد عابد الجابري، مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول: في التعريف بالقرآن، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ط1، 2006، ص 78.
[8]- البخاري، صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله،رقم 3.
[9] - Karen Armstrong, Muhammad Prophet for Our Time, 16.
Blogger تعليقات
Disqus تعليقات
اختر نظام التعليقات الذي تفضله

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوضة مُثَقَّفُونْ © 2016